يسرني دائماً أن أرى قوة التضامن الأيرلندي مع الشعب الفلسطيني، وقد حدث ذلك مرة أخرى الأسبوع الماضي أثناء زيارة إلى أيرلندا. وبينما عُقدت مسابقة الأغنية الأوروبية «يوروفيجن» في تل أبيب، عَقدت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأيرلنديين والمنظمات غير الحكومية والممثلين حفلاً مضاداً في أيرلندا أطلقوا عليه اسم «فلسطين: أنتي الرؤية» لإظهار التضامن الأيرلندي مع الشعب الفلسطيني المقموع تحت نير الاحتلال أو في ظل الحصار أو في المنفى. وأثناء تواجدنا في دبلن، التقينا مع قادة سياسيين يتأهبون للانتخابات البرلمانية المزمع عقدها نهاية الصيف الجاري، وترتكز حملتهم الانتخابية على مشروع قانون يهدف إلى حظر بيع المنتجات المستوردة من المستوطنات الإسرائيلية في أيرلندا.
ومرّ مشروع القانون، الذي يحظى بتأييد سياسي وشعبي واسع النطاق، بعدد من جولات التصويت في مجلس الشيوخ وتصويت مبدئي في «الغرفة الدنيا» من البرلمان. وفي حال تم تمريره في التصويت النهائي وأصبح قانوناً، فإن أيرلندا ستصبح بذلك أول دولة في الاتحاد الأوروبي تتخذ هذا الموقف الصارم ضد المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، مثلما كان الأيرلنديون هم أول شعب أوروبي يقود حملة ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وهذا التفهم الأيرلندي للمظالم الواقعة بحق الشعب الفلسطيني متجذرة في تاريخ وثقافة الأيرلنديين. فعلى سبيل المثال، هناك أدلة وثائقية أن الحركة الجمهورية الأيرلندية، في عشرينيات القرن الماضي، كتبت في بياناتها الرسمية عن تضامنها مع العرب في فلسطين، واعتبرت أن نضال الشعبين الفلسطيني والأيرلندي ضد الإمبراطورية البريطانية نضال واحد.
ولاحقاً، في سبعينيات القرن الماضي، أقامت منظمة التحرير الفلسطينية علاقات وثيقة مع «الجمهوريين الأيرلنديين». وفي ثمانينيات القرن الماضي، كان رئيس مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في دبلن مواطناً أيرلندياً، ليصبح المكتب الوحيد التابع للمنظمة الذي لا يديره فلسطيني. ولم تكن العلاقات سياسية فحسب، فالشعب الأيرلندي دأب على التعاطف مع ضحايا القمع الاستعماري، نتيجة تاريخه كضحية للاستعمار البريطاني. ولا يزال هذا التاريخ حاضراً في أيرلندا.
وهناك رسائل تذكير بذلك الماضي المخيف في كل مكان على الأراضي الأيرلندية، سواء أكانت أبراج الكنيسة الإنجيلية في أيرلندا، التي أحضرها المستعمرون وفرضوها على الأراضي الأيرلندية، أو النصب التذكارية للمجاعة التي وقعت في أربعينيات القرن التاسع عشر، والتي أدت إلى وفاة أكثر من مليون أيرلندي وفرار أكثر من مليون ونصف المليون آخرين، لأنهم مُنعوا من الحق في أكل المحاصيل الغذائية التي تنتجها أراضيهم، بينما كان يتم إعدادها للتصدير إلى بريطانيا.
وقد شاهدنا لوحة مؤثرة بصورة خاصة معلّقة في منزل عمدة دبلن. وهذه اللوحة تمثل تكريماً لقبيلة «تشك تاو»، إحدى قبائل الهنود الحمر في أميركا الشمالية، والذين كانوا هم أنفسهم ضحايا لاستعمار وقسوة المستعمرين. وكانت هذه القبيلة قد جمعت الأموال أثناء المجاعة الأيرلندية لمساعدة ضحاياها.
ويعود هذا التاريخ الأيرلندي مع الحكم الاستعماري لقرون. ويوم الأحد الماضي، أثناء سيري أنا وزوجتي في شارع «لوار نيو» في مدينة «كيلكيني» الصغيرة جنوب دبلن، مررنا بأطلال برج قديم وبقايا جدار حجري مرتفع. وعندما نظرنا عن كثب وجدنا لافتة تشير إلى أن ذلك كان «برج تالبوت»، وجزءا من جدار يمتد لأميال بارتفاع 25 قدماً كان يحيط بمستوطنة «أنجلو نورمان» الاستعمارية التي أصبحت «كيلكيني» فيما بعد. وأشارت اللافتة إلى أن الجدار كان قد بني في القرن الثالث عشر.
وتستحق إحدى الفقرات في وصف تاريخ الجدار أن أنقلها بالكامل: «بينما كان الغرض الرئيسي من الجدار في المدينة هو حماية المستعمرين الذين يعيشون داخلها من الهجمات، كانت تُستخدم أيضاً في تحصيل الضرائب، فمن كان يرغب من القاطنين خارج الجدار أن يبيع بضائعه في السوق كان يتعين عليه أن يدفع ضريبة لدخول المدينة عبر أي من البوابات السبع الموزّعة على الجدار».
ولم تكن وحدها الأغراض الشريرة، الموضحة على اللافتة، وإنما حجم الجدار وشكل برجه المشؤوم، تتشابه بقوة مع جدار الفصل العنصري الإسرائيلي الذي يفصل الفلسطينيين عن أراضيهم التي أنشأ عليها المستوطنون مستوطناتهم.
ونال الأيرلنديون في جنوب وشمال غرب الجزيرة استقلالهم عن الحكم البريطاني، وقامت الجمهورية الأيرلندية قبل نحو مائة عام تقريباً. لكن حتى بعد الاستقلال، لم ينسوا أبداً تاريخهم وقدرتهم على إظهار التعاطف مع من لا يزالوا مقموعين. وفي زيارة حديثة لـ«كليمينهام غول»، الموقع سيء السمعة الذي سجن فيه البريطانيون آلاف الأيرلنديين المتهمين بجرائم ضد الإمبراطورية والذي أُعدم فيه القادة الموقعين على إعلان «الجمهورية الأيرلندية»، أشار أحد المرشدين السياحيين إلى نضال الفلسطينيين وأعرب عن أمله أن ينالوا يوماً ما حريتهم.
*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن
ومرّ مشروع القانون، الذي يحظى بتأييد سياسي وشعبي واسع النطاق، بعدد من جولات التصويت في مجلس الشيوخ وتصويت مبدئي في «الغرفة الدنيا» من البرلمان. وفي حال تم تمريره في التصويت النهائي وأصبح قانوناً، فإن أيرلندا ستصبح بذلك أول دولة في الاتحاد الأوروبي تتخذ هذا الموقف الصارم ضد المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، مثلما كان الأيرلنديون هم أول شعب أوروبي يقود حملة ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وهذا التفهم الأيرلندي للمظالم الواقعة بحق الشعب الفلسطيني متجذرة في تاريخ وثقافة الأيرلنديين. فعلى سبيل المثال، هناك أدلة وثائقية أن الحركة الجمهورية الأيرلندية، في عشرينيات القرن الماضي، كتبت في بياناتها الرسمية عن تضامنها مع العرب في فلسطين، واعتبرت أن نضال الشعبين الفلسطيني والأيرلندي ضد الإمبراطورية البريطانية نضال واحد.
ولاحقاً، في سبعينيات القرن الماضي، أقامت منظمة التحرير الفلسطينية علاقات وثيقة مع «الجمهوريين الأيرلنديين». وفي ثمانينيات القرن الماضي، كان رئيس مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في دبلن مواطناً أيرلندياً، ليصبح المكتب الوحيد التابع للمنظمة الذي لا يديره فلسطيني. ولم تكن العلاقات سياسية فحسب، فالشعب الأيرلندي دأب على التعاطف مع ضحايا القمع الاستعماري، نتيجة تاريخه كضحية للاستعمار البريطاني. ولا يزال هذا التاريخ حاضراً في أيرلندا.
وهناك رسائل تذكير بذلك الماضي المخيف في كل مكان على الأراضي الأيرلندية، سواء أكانت أبراج الكنيسة الإنجيلية في أيرلندا، التي أحضرها المستعمرون وفرضوها على الأراضي الأيرلندية، أو النصب التذكارية للمجاعة التي وقعت في أربعينيات القرن التاسع عشر، والتي أدت إلى وفاة أكثر من مليون أيرلندي وفرار أكثر من مليون ونصف المليون آخرين، لأنهم مُنعوا من الحق في أكل المحاصيل الغذائية التي تنتجها أراضيهم، بينما كان يتم إعدادها للتصدير إلى بريطانيا.
وقد شاهدنا لوحة مؤثرة بصورة خاصة معلّقة في منزل عمدة دبلن. وهذه اللوحة تمثل تكريماً لقبيلة «تشك تاو»، إحدى قبائل الهنود الحمر في أميركا الشمالية، والذين كانوا هم أنفسهم ضحايا لاستعمار وقسوة المستعمرين. وكانت هذه القبيلة قد جمعت الأموال أثناء المجاعة الأيرلندية لمساعدة ضحاياها.
ويعود هذا التاريخ الأيرلندي مع الحكم الاستعماري لقرون. ويوم الأحد الماضي، أثناء سيري أنا وزوجتي في شارع «لوار نيو» في مدينة «كيلكيني» الصغيرة جنوب دبلن، مررنا بأطلال برج قديم وبقايا جدار حجري مرتفع. وعندما نظرنا عن كثب وجدنا لافتة تشير إلى أن ذلك كان «برج تالبوت»، وجزءا من جدار يمتد لأميال بارتفاع 25 قدماً كان يحيط بمستوطنة «أنجلو نورمان» الاستعمارية التي أصبحت «كيلكيني» فيما بعد. وأشارت اللافتة إلى أن الجدار كان قد بني في القرن الثالث عشر.
وتستحق إحدى الفقرات في وصف تاريخ الجدار أن أنقلها بالكامل: «بينما كان الغرض الرئيسي من الجدار في المدينة هو حماية المستعمرين الذين يعيشون داخلها من الهجمات، كانت تُستخدم أيضاً في تحصيل الضرائب، فمن كان يرغب من القاطنين خارج الجدار أن يبيع بضائعه في السوق كان يتعين عليه أن يدفع ضريبة لدخول المدينة عبر أي من البوابات السبع الموزّعة على الجدار».
ولم تكن وحدها الأغراض الشريرة، الموضحة على اللافتة، وإنما حجم الجدار وشكل برجه المشؤوم، تتشابه بقوة مع جدار الفصل العنصري الإسرائيلي الذي يفصل الفلسطينيين عن أراضيهم التي أنشأ عليها المستوطنون مستوطناتهم.
ونال الأيرلنديون في جنوب وشمال غرب الجزيرة استقلالهم عن الحكم البريطاني، وقامت الجمهورية الأيرلندية قبل نحو مائة عام تقريباً. لكن حتى بعد الاستقلال، لم ينسوا أبداً تاريخهم وقدرتهم على إظهار التعاطف مع من لا يزالوا مقموعين. وفي زيارة حديثة لـ«كليمينهام غول»، الموقع سيء السمعة الذي سجن فيه البريطانيون آلاف الأيرلنديين المتهمين بجرائم ضد الإمبراطورية والذي أُعدم فيه القادة الموقعين على إعلان «الجمهورية الأيرلندية»، أشار أحد المرشدين السياحيين إلى نضال الفلسطينيين وأعرب عن أمله أن ينالوا يوماً ما حريتهم.
*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن